أنهار من صنع الإنسان: حلول هندسية لندرة المياه العالمية
تُعد ندرة المياه من بين التحديات الأكثر إلحاحًا في عصرنا، خاصة في المناطق القاحلة حيث تتوزع الموارد الطبيعية بشكل غير متكافئ. يجادل سعد أ. الغرياني (1993) بأن عمليات نقل المياه واسعة النطاق بين الأحواض، والتي يسميها “أنهار من صنع الإنسان”، تقدم استجابة ممكنة تقنياً وعقلانية اقتصادياً للندرة الشديدة. يقف مشروع النهر الصناعي العظيم في ليبيا كأكثر الأمثلة طموحًا، ويوفر دروسًا للمناطق الأخرى التي تعاني من الإجهاد المائي مثل شمال إفريقيا والشرق الأوسط وجنوب غرب الولايات المتحدة.
إن فكرة بناء الأنهار ليست بعيدة المنال كما تبدو. تتيح التطورات في الهندسة الهيدروليكية الآن ليس فقط التحكم في الأنهار الطبيعية ولكن أيضاً بناء مجاري مائية جديدة بالكامل. توسع “أنهار من صنع الإنسان” هذا المبدأ على نطاق واسع، حيث تنقل المياه عبر مسافات شاسعة من مصادر المياه السطحية والجوفية على حد سواء. على عكس المشاريع السابقة المحصورة داخل الحدود الوطنية، مثل مشروع مياه الولاية في كاليفورنيا أو نظام القنوات الثلاثية في باكستان، تتصور المقترحات الحديثة بشكل متزايد عمليات نقل عابرة للحدود، مثل خط أنابيب السلام التركي، لمعالجة الاختلالات الإقليمية.
ويُعد مشروع ليبيا مثالاً واضحاً. فمع تغطية الصحراء لـ 93 في المائة من أراضيها وانخفاض الموارد المتجددة إلى أقل من 200 متر مكعب للفرد سنوياً، واجهت البلاد انهيارًا في طبقات المياه الجوفية على طول ساحلها. تم تصميم مشروع النهر الصناعي العظيم للاستفادة من احتياطيات المياه الجوفية الأحفورية الهائلة في أحواض الكفرة السرير ومرزق الحمادة الجنوبية. يشتمل المشروع، المصمم في خمس مراحل، على بناء حقول آبار ضخمة وخطوط أنابيب قادرة على نقل أكثر من ملياري متر مكعب من المياه سنويًا إلى المناطق الساحلية الشمالية. بدأت المراحل التي اكتملت في التسعينيات بتزويد بنغازي وسرت وسهل الجفارة، مما أدى إلى استقرار النمو وتخفيف النقص.
تُظهر الجوانب الاقتصادية للمشروع وعده وحدوده في آن واحد. أشارت التقديرات المبكرة إلى أن المياه المنقولة يمكن أن تكلف أقل من 0.25 دولار أمريكي للمتر المكعب، وهو أرخص بكثير من التحلية التي يمكن أن تتجاوز 5 دولارات. وضعت الدراسات اللاحقة الرقم أقرب إلى 0.55-0.83 دولار أمريكي، مما يعكس تكاليف المقاولات والتمويل الأجنبي. وحتى بهذا السعر الأعلى، يظل المشروع تنافسيًا في ظل الظروف الليبية، حيث البدائل نادرة. ومع ذلك، فإن طبقات المياه الجوفية التي تغذي النظام هي إلى حد كبير غير متجددة، مما يعني أن الاستنزاف أمر لا مفر منه. تعتمد قابلية المشروع للبقاء على المدى الطويل على استغلال نافذة الإمداد الحالية لتقوية الاقتصاد الوطني وتطوير مصادر بديلة، لا سيما تقنيات التحلية والحفاظ على المياه.
باختصار، يوضح مشروع النهر الصناعي الليبي أن عمليات نقل المياه واسعة النطاق يمكن أن توفر جسرًا حاسمًا في ظل ظروف الندرة الحادة. وعلى الرغم من أنه ليس حلاً دائمًا، إلا أنه يكسب وقتًا لتنويع الاقتصادات ونضوج تقنيات المياه الجديدة. وبالنظر إلى المستقبل، قد يتوسع مفهوم “أنهار من صنع الإنسان” خارج الحدود الوطنية، لتشكيل شبكات إقليمية أو حتى عالمية لإعادة توزيع المياه على غرار شبكات الطاقة اليوم. في عصر تزايد الإجهاد المائي، قد تثبت مثل هذه المشاريع الحكيمة، على الرغم من تكلفتها وتعقيدها، أنها لا غنى عنها لضمان العدالة والاستقرار الاقتصادي والصمود البيئي.
تم تكييف المقال بواسطة هبة العماري من:
Alghariani, S.A., 1993. Managing water scarcity through man made rivers. In: Coping with Scarcity and Abundance: Proceedings of the International Conference. Tripoli: Alfateh University, pp.607–614.
اترك تعليقاً